في خضم التحولات السياسية والاجتماعية التي تعرفها موريتانيا، يعود الحديث بقوة عن حوار وطني شامل، يجمع الفرقاء السياسيين ومكونات المجتمع المدني حول طاولة النقاش، من أجل تجاوز الخلافات وبناء توافق وطني يعزز الاستقرار ويؤسس لمرحلة جديدة من الإصلاح. فهل سيكون الحوار المرتقب نقطة انطلاق فعلية نحو التجديد السياسي؟ أم مجرد محطة عابرة ضمن حلقات متكررة من المشاورات التي لا تُنفذ مخرجاتها؟
السياق السياسي: احتقان يتطلب تهدئة
تأتي الدعوة إلى الحوار الوطني في ظرفية دقيقة، حيث تشهد الساحة السياسية توتراً ملحوظاً نتيجة خلافات حادة بين الأغلبية والمعارضة حول قضايا الحوكمة، وشفافية التسيير، ومستقبل المسار الديمقراطي. كما تزداد الضغوط الشعبية، خاصة من طرف الشباب والهيئات النقابية، للمطالبة بإصلاحات ملموسة في التعليم، والعدالة، وفرص التشغيل.
الفاعلون في المشهد: توافق أم تصادم؟
الحوار المنتظر يُفترض أن يكون شاملاً، تشارك فيه:
- الأغلبية الحاكمة: التي تسعى لترسيخ شرعية النظام وتعزيز الاستقرار المؤسسي.
- قوى المعارضة: التي ترى في الحوار فرصة لإعادة التوازن السياسي والمطالبة بتنازلات حقيقية.
- المجتمع المدني والنقابات: التي تطالب بمكانة فاعلة في رسم السياسات العمومية.
- الشباب والإعلاميون والمثقفون: الذين يطالبون بمساحة أكبر للتأثير والمشاركة.
قضايا مطروحة للنقاش
من بين أبرز الملفات المتوقعة على طاولة الحوار:
1. الإصلاحات الدستورية والسياسية: توسيع دائرة المشاركة وتعزيز الشفافية الانتخابية.
2. العدالة ومحاربة الفساد: إرساء قضاء مستقل وتفعيل الرقابة على المال العام.
3. الوحدة الوطنية: معالجة القضايا المتعلقة بالإرث الإنساني والعدالة الاجتماعية.
4. التعليم والاقتصاد: اقتراح حلول للتعليم المتعثر وتحفيز الاقتصاد الوطني.
تحديات قد تعيق نجاح الحوار
ورغم الزخم الذي يرافق الدعوة إلى الحوار، إلا أن هناك تحديات جدية تقف في طريق نجاحه:
- فقدان الثقة بين الفاعلين السياسيين بسبب تجارب سابقة انتهت دون تنفيذ التوصيات.
- خشية المعارضة من التوظيف السياسي للحوار لكسب الوقت وتثبيت موازين القوى.
- تهميش بعض الفئات كالنساء والشباب في التحضير والمشاركة الفعلية.
آفاق الحوار: فرصة للتأسيس أو خيبة متجددة؟
في حال تمت إدارة الحوار بحسن نية، وتم تضمين جميع المكونات المجتمعية في نقاش حر وشفاف، فقد يشكل نقطة تحول في المشهد السياسي الموريتاني، ويفتح الباب أمام إصلاحات حقيقية تمس جوهر النظام الديمقراطي. أما إذا اقتصر الحوار على الشعارات والتوافقات الشكلية، فقد يفاقم الإحباط ويكرس حالة انسداد سياسي أعمق.
خلاصة
موريتانيا اليوم أمام مفترق طرق حاسم، فإما أن يكون الحوار المرتقب منطلقاً لتجديد العقد الاجتماعي والسياسي، أو مجرد محطة أخرى تُضاف إلى رصيد الحوارات غير المنفذة. والمطلوب هو إرادة سياسية صادقة، ومشاركة فعلية، وضمانات بتنفيذ المخرجات، حتى لا تضيع فرصة أخرى من فرص التأسيس لديمقراطية حقيقية ومستقبل أكثر استقراراً.