في مشهد دبلوماسي قلّ نظيره، أعتقد أن الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني قد سطر في لقائه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فصلاً جديداً في فن الدبلوماسية الحصيفة، فبينما كانت أجندة ترامب الصارمة تسعى لفرض مسار معين: تمثل ذلك في قوله:(عرف بنفسك وبلدك لأن الوقت لا يسمح), أظهر الغزواني حنكة سياسية استثنائية، ليحوّل الجلسة من مجرد بروتوكول إلى منصة لترسيخ السيادة والمصالح الوطنية الموريتانية.
لقد تجلى ذكاء الرئيس الموريتاني في قدرته على امتصاص الموقف ببراعة وتوجيه دفة الحديث بعيداً عن محاور ترامب الشائكة، خاصة تلك المتعلقة بقضية التطبيع، التي كانت تشكل فخاً دبلوماسياً للعديد من القادة. بكلمات واضحة وموقف ثابت، أكد الغزواني أن أولوية موريتانيا تكمن في الشراكات الاقتصادية القائمة على المنفعة المتبادلة، لا في الانجرار خلف أجندات سياسية قد لا تتناسب مع مبادئ ومصالح بلاده.لم يكتفِ الرئيس بذلك، بل ببراعة لافتة، أعاد ترامب إلى حقيقة الأهمية الاستراتيجية لموريتانيا، مذكّراً بأن موقعها الجيوسياسي يشكل بعداً أمنياً حيوياً، ليس فقط للمنطقة، بل للأمن القومي الأمريكي نفسه في ظل التحديات المتزايدة. هذا التذكير الذكي لم يكن مجرد إشارة عابرة، بل كان تثبيتاً لمكانة موريتانيا كلاعب محوري لا يمكن إغفال دوره في الاستقرار الإقليمي والدولي.
لقد تميز خطاب الغزواني المرتجل باللغة الفرنسية بـأصالته وسمو أخلاقه مع القوة و الصدق، فهو يمثل مجموعة دول ناطقة بالفرنسية، حاضرة معه، وهذا ما جعله يلقي كلمته بلغة يفهمها زملاؤه من أجل كسبهم، وهو أيضا ما منحه خصوصية ومصداقية بينهم أمام اترامب، فبينما كان ترامب معروفاً بفظاظته الدبلوماسية، التي لم تسلم منها كبرى الشخصيات العالمية، كان حظ الرئيس الموريتاني من الاحترام و"المجاملات" فوق المعدل المعتاد. وهذا يؤكد أن الغزواني لم يقدم تنازلات سياسية، بل فرض احترامه بقدرته على التواصل بفعالية وإيصال رسالة بلده كاملة، دون أن يقطع كلامه أو يطع الرئيس الأمريكي فيما يريد، وهي براعة قل من يجيدها في مواقف كهذه.
في المحصلة، هذه الزيارة، التي طالما تمناها رؤساء موريتانيا السابقون، تمثل نجاحاً دبلوماسياً لافتاً. إنها شهادة على يقظة القيادة الموريتانية وحزمها في مرحلة سياسية دولية معقدة. وإذا ما تم استغلال هذه الفرصة بذكاء، فإنها قد تفتح آفاقاً لشراكات استراتيجية مفيدة لموريتانيا، وتؤكد على مكانتها كدولة ذات سيادة وقرار في الساحة الدولية.
سيد محمد ولد ابته